رسالة إلى ولي الأمر
يقول الله عز وجل في سورة النور: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور: 32]
وقد قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: "يأمر الله تعالى الأولياء والأسياد بإنكاح من تحت ولايتهم من الأيامى وهم من لا أزواج لهم من رجال ونساء، ثيبات وأبكار، فيجب على القريب وولي اليتيم أن يزوج من يحتاج ممن تجب نفقته عليه".
فيجب الخوف من الله سبحانه وتعالى، وعدم عضل الفتاة أو المرأة والسعي في زواجها بالبحث المباشر عن الرجل المناسب ليكون زوجًا لها، وقد يستغرب بعض الناس هذا الرأي ولا يوافق عليه بل ربما يزدريه ويمقته.
ولو كانت هذه المرأة تريد وظيفة أو التحاقًا بدارسة في الجامعة لكان أول المبادرين إلى ذلك ولا مانع لديه من ذكر اسمها الرباعي وعمرها وتقديرها وغير ذلك من المعلومات لمن يتوقع أن يساعده في تعينها أو تسجيلها.
فأيهما أولى بالسعي والمبادرة واحتساب الأجر؟!
السعي للدراسة والعمل أم للزواج من الرجل الصالح والستر والعفاف وتكوين الأسرة المسلمة؟؟
علمًا بأن تكوين الأسرة المسلمة يشتمل على الكثير من مصالح الدنيا والآخرة وحفظ أعراض المسلمين من الفساد والانحراف الخلقي والنفسي لا قدر الله.
ولنتذكر قصة الرجل الصالح مع موسى عليه السلام حينما عرض عليه الزواج من إحدى ابنتيه.
وقد عقد الإمام البخاري رحمه الله تعالى بابًا في صحيحه بعنوان: "باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير".
وساق الحديث وفيه: أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفى بالمدينة فقال عمر بن الخطاب: "أتيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة
فقال: سأنظر في أمري
فلبثت ليالي، ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا.
قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئًا، وكنت أوجد عليه مني على عثمان، فلبثت ليالي، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت عليَّ حين عرضت عليك حفصة فلم أرجع إليك شيئًا؟
قال عمر: نعم
قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت عليَّ إلا أني كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلتها".
ومن الفوائد التي ذكرها ابن حجر رحمه الله تعالى في شرحه لهذا الحديث:
"وفيه عرض الإنسان ابنته وغيرها من مولياته على من يعتقد خيره وصلاحه لما فيه من النفع العائد على المعروضة عليه وعليها وأنه لا استحياء في ذلك".
وفيه أنه لا بأس بعرضها عليه ولو كان متزوجًا.
ونقل عن ابن بطال قوله: "وفيه أن يزوج ابنته الثيب من غير أن يستأمرها إذا علم أنها لا تكره ذلك، وكان الخاطب كفؤًا لها".
ومن الواجبات المفروضة على ولي الأمر مساعدة الابنة أو الأخت على حسن الاختيار وعدم تركها حتى تكبر فيتملكها الخوف، فلابد من ترغيبها في الزواج وتحذيرها من عواقب رد الخاطب الكفء ومناقشة ما لديها من عوائق أو عقبات في طريق الموافقة على الزواج.
رسالة إلى المجتمع المسلم
يقول الحق تبارك وتعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]
في الماضي لم تكن المجتمعات الإسلامية تعاني من ظاهرة تأخر سن الزواج أو البقاء بدون زواج، ولم يسجل في الماضي إلا حالات نادرة والنادر لا حكم له بخلاف ما يجري في المجتمعات المسلمة المعاصرة فقد أصبحنا نرى بوادر لا تسر وظواهر لا تبشر بخير إذ أن بقاء النساء بدون أزواج أصبح ظاهرة وصل أثرها إلى الكثير من البيوت فهذه لم تتزوج، وتلك مطلقة تخشى تكرار التجربة، وأرملة تخشى على أطفالها الضياع.
ولكل رجل شروطه القاسية ولو كانت الزيجة الثانية أو الثالثة والتنازل واحتساب الأجر لم يعد هدفًا عند الكثيرين فمشكلة بقاء المرأة بلا زوج يرعاها ليست مشكلة فردية بل اجتماعية لابد أن يشارك في حلها كل فرد له قدرة على المشاركة في حلها وعلى سبيل المثال:
يستطيع إمام المسجد في كل حي أن يطرح القضية للمصلين ويتحدث عن الموضوع بصفة عامة في خطبة أو كلمة لعل الكلام يجد أحيانًا صاغية من أفراد المجتمع.
كتابة المقالات في المجلات والجرائد وتبصير المجتمع بأبعاد هذه القضية وآثارها السلبية لعل ذلك يؤثر على أولياء الأمور والشباب المقلبين على الزواج أو الراغبين في التعدد.
حث أفراد المجتمع بعضهم بعضًا على التوفيق بين الراغبين في الزواج بالطرق الشرعية والمشاركة في ذلك وعدم التنصل من المسؤولية بحجة الخوف من الفشل فالدال على الخير كفاعله ولن يصيب ابن آدم إلا ما كتب الله له.
تذكير الأخيار أولياء أمور البنات بالله تعالى وتخويفهم من العقوبة بسبب عدم حرصهم على تزويج قريباتهم وذلك عن طريق الرسائل المذيَّلة باسم فاعل خير أو وضع الكتيبات والأشرطة في طريقهم والتي تناقش القضية.
زرع القناعة في نفوس الشباب وحثهم على الإقبال على الزواج مع بعض التنازلات فالكمال لله وحده.
إقناع الفتيات بالأساس الذي تقبل به الزوج الكفء وهو الدين والخلق أما غير ذلك من المواصفات الدنيوية فهي أمور تتغير مع الزمن.
أفعال خاطئة
تتوقع بعض النساء أن عمل بعض الأمور يجعلها تحصل على زوج صالح للحياة الزوجية، فتستعجل في اتخاذ الوسيلة قبل أن تزن ذلك الفعل بميزان الشرع المطهر هل هو جائز أم محرم؟
ومن تلك الأفعال الخاطئة:
1-التعلق القلبي بغير الله في طلب الرزق، فيجب التوكل على الله وحده عز وجل في تحقيق المطلوب مع فعل الأسباب الجائزة فقد تنسى بعض النساء أن الرازق هو الله وحده فتتعلق بالأسباب فتغفل عن مسبب الأسباب سبحانه وتعالى، فتتصور أن المنصب أو المال أو الجمال أو النسب هو الذي يجعل الرجل الكفء يتقدم لخطبتها وتنسى أن هذه أسباب فقط، فكم من فتاة تملك ذلك كله ومع ذلك يفر منها الخاطب الكفء وقد تكون هذه الصفات وبالاً عليها لا قدر الله فقد قال الله تعالى: {وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة: 23]
فطلب العون يكون من الله فنعتمد عليه سبحانه بأنه سيعيننا على عبادته وقد قال عز وجل في سورة الطلاق: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3].
2-أن تدعو المرأة الأموات من الأنبياء والأولياء والصالحين وتطلب منهم أن يرزقوها الزوج الصالح، فدعاء الأموات والاستعانة بهم شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم.
3-قد تذهب بعض النساء للكهان والمشعوذين والعرافين لتسألهم: متى تتزوج؟ وغير ذلك.
وفي الحديث: «من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم».
4-تظن بعض النساء أنها إذا كشفت وجهها أو بعض مفاتنها للناس كان سببًا في إعجابهم بها ومن ثم خطبتهم لها.
5-تعتقد بعض النساء أن الخروج للأسواق والأماكن التي يوجد بها الرجال ولو كانت متسترة سبب لخطبتها.
وفي الحديث: «أبغض البلاد إلى الله الأسواق».
6-المعاكسات الهاتفية، قد تنخدع بعض النساء بكلام المعاكس حيث يبدي رغبته في زواجه منها ويؤكد ذلك بالأيمان الكاذبة، وبالكلام المعسول الذي فيه السم القاتل، فيوقعها في المصائب التي لا ينساها المجتمع ولو تابت إلى الله سبحانه وتعالى.
7-المراسلة بين الجنسين فهي من الوسائل الخاطئة والتي تلجأ إليها الفتاة أحيانًا للتعرف على الجنس الآخر بهدف الحصول على زوج مناسب، وكم جرت هذه الوسيلة من ويلات ذاقت المرأة وأسرتها مرارتها.
8-إهداء صورتها لصديقاتها أو وضعها في المجلات ليطلع عليها الرجال فيتقدمون لخطبتها مع العلم بأن الرجال حتى غير المتمسكين بأحكام الدين لا يرغبون في الزواج إلا من المرأة المتمسكة بدينها وعفافها وسترها وخلقها فالمرأة التي تعرف بالسفور وعدم الحشمة ينفر منها الجميع.
9-الطمع في شخص لا يمكن الزواج منه أبدًا ولأسباب لا يمكن التغلب عليها لظروف اجتماعية أو سياسية أو أسباب خاصة به حيث لا يرغب في الزواج لا منها ولا من غيرها، فتتعلق بشخصية مستحيلة وتكره من سواه ولا تفكر إلا فيه فتجلس طول عمرها من دون زواج.
10-أن تعرض المرأة نفسها على رجل لئيم، ليتزوجها الزواج الشرعي الصحيح فيستغلها سيئًا، وقد يوقعها في مشاكل لا تعالج، فيسيء إليها بحجة أنها هي التي عرضت عليه نفسها، وقد يطلقها لأتفه الأسباب، وقد لا يثق بها.
الخاتمة:
اعلم أيها القارئ الكريم أن الله سبحانه وتعالى قد تفضل على عباده بالكثير من النعم ومن حقه عليهم الشكر على النعمة والمحافظة عليها ومن ذلك: حصول الرجل على زوجة صالحة، أو حصول المرأة على زوج صالح، فهذه من أكبر النعم، فينبغي على كل منهما شكرها وذلك عن طريق:
أداء كل طرف لحقوق الطرف الآخر على أكمل وجه.
العمل على توفير أسباب السعادة.
الحذر من كل ما قد يتسبب في فساد العلاقات بينهما.
الاستعانة بالله سبحانه وتعالى في حل ما يقع بينهما من خلافات.
الاستفادة من الأشرطة والكتيبات التي تعنى وتهتم بكل ما يحسن ويطور العلاقات الزوجية.
أخذ العظة والعبرة من التجارب والظروف التي مر بها الكثيرين في محيط مجتمعهم.
وفي الختام آمل أن أكون قد وفقت في عرض بعض المقترحات والأفكار الإيجابية التي تساهم في حل مشكلة تأخر أو عدم تقدم الخاطب الكفء وبقاء المرأة بدون زواج