يتلازم الحب والخطيئة في الكثير من القصص العاطفية التي تنمو وتزدهر في الظل بعيدًا عن النور، وفي حضرة الشيطان الذي يلون كل شيء بغير لونه الحقيقي.. وما من شك أن "الحب" ذلك الإحساس الجميل الذي تخفق له المشاعر، رغم أنه يكون مفتاح السعادة للكثيرين، فإنه قد يكون سببًا لشقاء بعض الفتيات اللواتي ينجرفن تحت دافع الرغبة والمشاعر المجردة من المنطقية، وقد تكون هذه المشاعر صادقة وحقيقية، ولكن ضعف الوازع الديني ييسّر للشيطان الدخول بين الشاب والفتاة حتى يورطهما في علاقة آثمة.
فالحب عبارة عن مشاعر مناسبة تنمو في وقت مناسب متجهة نحو الشخص المناسب، وفي الإطار المناسب، فإذا فقد (الحب) أيًّا من تلك الأركان تحول إلى مجرد هوى تتحكم فيه الميول والشهوات، وتفقد المعادلة اتزانها، ويتحول الحب إلى خطيئة.
تجربة.. نادرة
(ص.م) لديها تجربة قد تكون نادرة الحدوث، ولكنها ولحسن حظها قد حدثت بالفعل، فحينما أحبت لأول مرة وهي في التاسعة عشرة من عمرها، لم تكن تعي خطورة انجرافها في دوامة الحب إلى النهاية، ووقعت في الخطأ والخطيئة، ولكن شاء الله أن يتم عليها ستره ويتزوجها حبيبها.
والآن بعد مرور ما يربو على 15 عامًا، تقول: إنني على يقين بأن ما ارتكبته كان خطأ فادحًا ندمت عليه وتبت إلى الله، ولكنني انجرفت في لحظة ضعف عندما أحببت.. والحمد لله علاقتي بزوجي إلى الآن ممتازة، وأشعر بسعادة غامرة معه، ولكن هذا لا ينفي أنني أخطأت.
وتضيف: للأسف الجيل الحالي يختلف عن جيل الأمس جملة وتفصيلاً؛ لأن شباب اليوم يبحث عن علاقة بفتاة لمجرد تمضية وقت الفراغ، وعندما يبحث عن زوجة فإنه يبحث عن الزواج الرسمي الذي يأتي في إطار الشرع والقانون والمجتمع.
وتصدق على ذات الرأي منى منعم، زوجة وربة بيت (29 سنة)، مشيرة إلى أن الخطوط الفاصلة بين ما يطلق عليه الحب والتسلية أصحبت خطوطًا وهمية، لا وجود لها إلا لدى الشباب الملتزم الواعي بحدود الدين، فالحلال بيِّن والحرام بيِّن، والشاب الذي يعجب بفتاة فإن البديهي أن يذهب لبيت أسرتها، ولكن الشباب الذي يغرر بالفتاة بحجة الظروف هو شاب لا يبحث عن الحب وإنما مجرد التسلية، وللأسف فإن الفتيات في عصرنا الحالي واعيات بالقدر الكافي، وأتصور أنهن يقعن في براثن الشباب برغبتهن الكاملة، إما لتمضية الوقت أيضًا، وإما للشعور بالاحتياج العاطفي المتأجج في سن المراهقة والشباب.
من يحرّض من؟
يمكن أن تكون الفتاة عاملاً محرضًا للشباب للوقوع في براثن الخطأ.. هذا ما يؤكده إيهاب علام، مهندس كمبيوتر (24 سنة)، قائلاً إن الفتاة في العصر الحالي أصبحت على قدر كبير من الجرأة في التعامل مع الشاب، وبنظرة سريعة على تعامل الفتيات والشباب داخل الجامعات، وما يحدث بينهم من تلامس وضحك ومداعبات، نجد أنه بات شيئًا مخجلاً بالفعل.
وعن تجربته الشخصية يقول: كنت طالبًا جامعيًّا وسيمًا، وكانت لي زميلات لم أحاول يومًا أن أتعدى حدودي معهن على الإطلاق، والمدهش أنهن بأنفسهن كنّ يتجاوزن الخطوط الحمراء، ويبدأن جذبي وزملائي من الشباب بالنكات الخارجة عن حدود الأدب واللياقة، وهنا يُفتح الباب أمام الشاب ضعيف النفس.. وحدث هذا بالفعل، فكان أحد أعضاء مجموعتنا على علاقة بزميلة لنا وتزوجا عرفيًّا حتى لا تكون علاقتهما "حرامًا"!، وبالطبع انتهت القصة بينهما وكأن شيئًا لم يكن، والمفاجأة أن الفتاة هي التي عرضت عليه فكرة الزواج العرفي، وليس هو.. فمن يحرض من في زماننا هذا؟!
ومن جانبها تدافع رنا، طالبة جامعية (20 سنة) عن الفتيات وتقول: الحب هو أجمل شيء في الوجود، وهو أسمى مشاعر يمكن أن يشعر بها بشر.. فهل أصبح الحب في زماننا الحالي حرامًا؟! وما العيب في أن تبادر الفتاة بالتلميح فقط للشاب بانجذابها له؟ نحن نعيش عصر السرعة.. ومسألة الحصول على عريس -بكل صراحة- أمر بات صعب المنال، وعلى الفتاة أن تكون عملية، وتبادر إذا شعرت أنها تحب أحد الشباب.. ما المانع؟.
ميريت الفولي (33 سنة)، متزوجة مستشارة في مجال البيئة، ترى أن الحب مكانه الروايات الرومانسية التي نسجت خيوطها من زمن فات، أما الآن فلا مكان ولا وجود للحب، وحتى إن وجد فحتمًا هو مجرد مشاعر مغلفة بالرومانسية الزائفة، فالحب الحقيقي هو الحب الذي ينمو ويزدهر في بيئة صحيحة.. أما الشباب اليوم فهو مندفع، متعجل، والفتيات وجدن الفكاك في عمليات رتق غشاء البكارة، فأصبحت كل الأمور سهلة لدى جيل ضاعت لديه القيم والمثل واختلط فيه الأبيض بالأسود، وتعثرت فيه الأخلاق وأصبحت الغلبة للانفلات.
فخ الحب
أما عن رأي علم الاجتماع، فيرى الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع، أن طبيعة المرأة النفسية والاجتماعية والأسرية الصعبة أو غير المريحة قد تدفعها إلى البحث عن أحضان رجل أملاً في الزواج، والشاب له أسلحته في ذلك بالكلمة والابتسامة، مما يسهل معه دغدغة أحلامها وخيالها.. وعادة فإن الفتاة في عمر المراهقة أو الشباب تُعَدّ الأكثر عرضة للوقوع في فخ العلاقات الخاطئة المغلفة بما يسمونه الحب، فالفتاة تسمع عن قصص الحب ومغامراته، فتتمنى أن تعيش قصة مماثلة هي الأخرى، ولكن للأسف كثيرًا من هذه العلاقات تكون مجرد علاقات تسقط فيها الفتيات تحت وطأة الحب الكاذب.
وعن رأي الشرع يوضح الشيخ محمود عاشور، عضو مجمع البحوث الإسلامية، والوكيل السابق بالأزهر الشريف أن الحب غير المنضبط بقيم الدين بين الشباب، هو من قبيل العبث والمجون، ويُعَدّ خروجًا عن الفطرة السوية؛ لأنه إذا كان الشاب جادًّا وحسن النية، فعليه أن يسلك الطريق الصحيح للتقدم وخطبة الفتاة، ولكن للأسف في عصرنا الحالي كم من الموبقات والفواحش وهتك الأعراض ترتكب باسم الحب بعدما خرج عن مساره الصحيح، وكما قال الشاعر:
الحب قدس طاهر إن لم تدنسه الرذيلة * والحب ما أسماه إن وثقته بعرى الفضيلة
ويستطرد الشيخ محمود عاشور، مؤكدًا أن الأفكار التي يرددها الشباب هذه الأيام هي مبررات واهية من قبيل تبرير الرذيلة وتغليفها بإطار شرعي، ولكن هذا كله في المجمل خطيئة لا يمكن أن تغتفر، فالحب حلال وليس بحرام ما دام في إطاره الشرعي، فالزوجة عندما تحب زوجها وتبذل كل ما في وسعها لإسعاده فهذا تعبير عن الحب وليس بعيب أو حرامًا، وكذلك حب الزوج لزوجته، ولكن المهم هو الإطار الشرعي الذي يتم فيه تبادل الحب.
ويطالب الشيخ عاشور الإعلام باستيعاب دوره والوعي بخطورته، وأنه يساهم حاليًّا في تخريب عقول الشباب من خلال ما يبث دائمًا عن علاقات رومانسية خارج الإطار الشرعي المقبول، والترويج للأفكار الغربية التي لا تتسق مع قيم وعادات مجتمعاتنا بما ينعكس سلبًا على شبابنا.
فكرة صعبة
أما الدكتور شوقي العقباوي، استشاري الطب النفسي، فبالقطع ينظر للموضوع من منظور نفسي، باعتبار أن العصر الذي نعيشه حاليًّا، يعاني فيه الشباب من كمّ كبير من الضغوط والإحباطات التي تجعل فكرة اقتران الحب بالزواج فكرة صعبة؛ بسبب العقبات المادية التي يواجهها أغلب الشباب، وبالتالي يكون الحب هو المسكن الأوحد في ظل هذه الظروف الصعبة، وهو المتنفس النفسي للشاب والفتاة رغم أن كثيرين منهم يدركون تمامًا أن الطريق مسدود في النهاية.
ويتابع: على الرغم من ذلك يُصِرّ الشباب على التنفيس عن مشاعره وخوض تجربة الحب، تحت أي مسمى أو مبرر، وقد يؤدي الأمر إلى الاندفاع نحو الخطيئة، وخاصة في سنوات الشباب الأولى التي لا يكون الشاب أو الفتاة قد نضج فيها بشكل كاف، مع تراكم الإحباطات النفسية والجنسية.
فالشاب قد يدفع الفتاة إلى الخطأ، والعكس قد يكون صحيحًا في بعض الأحيان، فالفتيات حاليًّا وتحت ضغط ذلك الكمّ الهائل من المثيرات المحيطة، تتشكل لديهن طاقة جنسية يسعين لتفريغها أيضًا، وفي ظل هذا التخبط النفسي يقع الخطأ وتحدث الخطيئة.
وينصح الدكتور العقباوي بضرورة توجيه الشباب منذ الصغر إلى الأنشطة الرياضية التي من شأنها أن تفرغ طاقاتهم، مع تحصينهم بالالتزام الديني الذي يقيهم الر