الحمدُ لله الواحدِ القهار ، العزيزِ الغفار ، مكورُ الليلَ والنهار ، تذكرةً لأولى القلوبِ والأبصار ، وأصلي وأسلم على النبيِ المختار ، حبيبِ الأخيار ، عدد ما غرد الطيرُ في الأرضِ وسار .. ( أما بعـد) :
قال تعالى :[{ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}]
فمن هذا الباب حبيبي الغالي أحببتُ أن أذكر نفسي المقصرة وإياك بأمر عظيم ، وخطبٍ جليل ، قد إستهان به الجميع وأهمَله الكثير إلا من رحم الله ، مع أن الخير كل الخير في هذا الأمر ، بل والله لا تحيى القلوب ولا تنشرحُ الصدور ولا تَحل الطَمأنينةُ إلا به ، كيف لا وقد أمر الله به تعالى في كتابه الكريم فقال : [{ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ ]} ، ألا وهي صلاة الجماعة .
فصلاةُ الجماعة قد أوجبها اللهُ وحذر من التخلفِ عنها إلا بعذرٍ شرعي ، وصلاةُ الرجل في جماعة تُضاعفُ على صلاتهِ في بيتهِ وفي سوقهِ خمساً وعشرين ضِعفاً , وذلك أنه إذا توضَّا فأحسَن الوضوء ثم خرج إلى المسجد , لا يُخْرجُه إلا الصلاة , لم يخطُ خطوة إلا رُفِعَت له بها درجة , وحُطّ عنه بها خطيئة , فإذا صلَّى لم تزل الملائكة تُصلَّى عليه , ما دام في مُصَلاَّه ما لم يُحْدِث : اللهم صلّ عليه , اللهم ارحمه , ولا يزال في صلاةٍ ما انتظر الصلاة .
وقال تعالى في وجوب الصلاة جماعة مع المسلمين : [ { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} ] ، الشاهد قوله: [ { وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ }] ، وهو نص في وجوب صلاة الجماعة ومشاركة المصلين في صلاتهم ، ولو كان المقصود إقامتها لاكتفى بقوله في أول الآية: [ { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ }] .
وفي صحيحِ مسلم ؛ أن رجلاً أعمى قال يا رسول الله ليس لي قائد يلائمني" يقودني " إلى المسجد فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ( هل تسمع النداء )( بالصلاة )؟ )) قال : نعم ، قال : (( ( فأجب) ))
فإذا كان هذا في حق رجل أعمى ليس له قائد يلائمه إلى المسجد فكيف بمن كان صحيحا مبصرا لا عذر له.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :( أثقل صلاة على المنافقين صلاة العِشَاء وصلاة الفجر , ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حَبْواً , ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتُقام , ثم آمر رجلاً فيُصلِّي بالناس , ثم أنطلِق معي برِجال معهم حِزَمّ من حَطَب , إلى قوم لا يشهدون الصلاة , فأحَرَّق عليهم بيوتهم بالنار ) ولا يتوعد بحرق بيوتهم بالنار إلا على ترك واجب .)
وقال تعالى: [ { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ}(42) { خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ }].
قال سعيد بن المسيبِ رحمه الله : (( ( كانوا يسمعون ، حي على الصلاة حي على الفلاح ، فلا يجيبون وهم أصحاء سالمون )))
وقال كعب الأحبار : (( ( والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين تخلفوا عن الجماعة ))) .
وقال الشيخ ابن عثيمين عليه رحمة الله في ترك صلاة الجماعة :( ( وأما من لا يصلي مع الجماعة ويصلي في بيته فهو فاسق وليس بكافر ، لكنه إذا أصر على ذالك إلتحق بأهل الفسق وأنتفت عنه صفة العدالة) ) .
{ وأعلم أخي الحبيب أن لصلاة الجماعة فوائد عظيمة قد تخفى على الكثير ومنها} :
(
*) أنها تجددُ الإيمان ، وتحيي القلوب ، وتشرحُ الصدر ، وتملأ النفس بالسرور والسعادة الأبدية ، وفيها مفارقة للمنافقين ، وسبب للمودة والألفة والترابط بين المسلمين ، والمحافظ على الصلاة يكون له عهد عند الله أن يدخله الجنة ، ويكون له نور وبرهان يوم القيامة ، وصِلةٌ بين العبد وربه ، وتكفيرٌ للخطايا والسيئات .
(
*) والصلاة فيها الطمأنينة والراحة وقرة العين في الدنيا والآخرة ، وفيها إعانة للمسلم على أمور دينه ودنياه ، وفيها الفلاح والنجاح والظفر والفوز في الدنيا والآخرة و التوسعة في الرزق ، وهي طهارة للنفس وفيها الثبات للمؤمن في الدنيا والآخرة ، وفيها الحفظ والأمان للعبد في الدنيا والآخرة ، وفيها حصول معية الله جل وعلا للمصلي ، وفيها نيل محبة الله تعالى .
ــ ختاماً أخي ( :)لا عذر لك بالتخلف عن الجماعة ، واعزم النية من الآن بأن تُصلي في أقرب بيت من بيوت الرحمن ، وأحمد الله على أن منّ عليك بنعمة الصحة والعافية في الروح والبدن، وأعلم بأن هناك الكثير ممن هم أخوةٌ لنا ينامون على الأسرة البيضاء ، ويتمنون أن يغبرون أقدامهم بالذهاب إلى بيت من بيوت الله ، ليسجدوا ويرغموا أنوفهم ويتذللوا للواحد الأحد ، ولكن أقعدهم المرض ، وحال بينهم وبين ما يشتهون ، فأحمد الله على ما أنت فيه من النعمة ، وجاهد النفس والهوى ، وتُب إلى الله من اليوم ، وإياك إياك من التهاون في أي أمر من أمور الله مهما كلفك الأمر وأولها الصلاة لأنها أول ما سيحاسب عليها العبد يوم القيامة
وليكن شعارنا ( ( إلا الصلاة) ) .
أسأل الله في ختام رسالتي هذه أن يرزقنا وإياك الهدى والتقى والعفاف والغنى وأن يشرح صدرونا لطاعته ، وأن يعيننا على أداء الصلاة جماعة مع المسلمين وأن يجنب عنا العجز و الكسل وأن يكفنا شر الشيطان وأعوانه و أسأله جل في علاه أن يجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم لقاه .
{ وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..}