الصلاة على محمّد وآل محمّد بين السنّة والشيعة:
تعتبر مسألة الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) من جملة المسائل التي
اتفق المسلمون على أصلها واختلفوا في تفاصيلها وكيفيتها.
وأصل هذه المسألة قوله تعالى: (إن الله وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيّها
الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما). وتشترك هذه
الآية مع آية أُخرى أشارت إلى صلاة الله سبحانه وتعالى على عباده، مثل قوله
تعالى: (هو الذي يصلّي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان
بالمؤمنين رحيما)ومع آية ثالثة أشارت إلى صلاة النبي
(صلى الله عليه وآله)على بعضهم، هي قوله تعالى: (خُذ من أموالهم صدقة تطهّرهم
وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم)
وقد أشار أكثر المفسرين إلى أن صلاة العبد لربّه دعاء وتعظيم، وصلاة الله
لعبده رحمة وتكريم بدليل التعليل الوارد (ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان
بالمؤمنين رحيما)، وصلاة الرسول على المؤمنين هي الدعاء لهم بالخير والبركة.
وصلاة الملائكة على الرسول أو المؤمنين دعاء واستغفار
وهذه الصلاة المتبادلة بين العبد والرب والرسول، صلاة العبد للرب وصلاة الرب
للعبد، صلاة الرسول للمؤمنين، وصلاة المؤمنين للرسول، تجسّد أكمل صورة
للتلاحم والترابط بين الخالق والمخلوق، بين الأُمة ورئيسها، على أن يعرف كل
طرف موقعه ومنزلة الطرف الذي هو بإزاءه، فلا تضيع الحدود في ثنايا هذا
التلاحم، فالعبد يصلي تعظيماً وعبودية ورقّاً للخالق العظيم، والله يصلي
إكراماً وتشريفاً ورحمة بهذا العبد العارف، والمؤمن يصلّي على الرسول إذعاناً
بمنزلته وتسليماً لولايته، والرسول يصلّي على المؤمن إكراماً له ورغبة في
مزيد الخير له.
وقد خص الله سبحانه وتعالى نبيه بأعلى درجات التكريم والتشريف إذ صلّى عليه،
وصلّت عليه ملائكته، وألزم المؤمنين بالصلاة عليه، وكان من جملة ذلك تكريم
أُمته التي آمنت به وانصاعت لأوامره، فكانت صلاة الله وملائكته ورسوله عليها
رشحة من ذلك التكريم، وقبساً من تلك المشكاة، وخصيصة تمتاز بها هذه الأُمة
عما سواها من الأُمم التي جاءت قبلها.
(صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم):
لقد أجمع فقهاء مذهب أهل البيت (عليهم السلام) على عدم جواز الاكتفاء بذكر
النبي (صلى الله عليه وآله) في الصلاة ووجوب ذكر آلله معه
مستدلّين على ذلك بأخبار قطعية وردت في تراث الفريقين معاً، كالخبر المشهور
في المصادر السنّية، أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) (خرج علينا فقلنا: يا
رسول الله، قد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال: (فقولوا اللهم
صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلّيت على إبراهيم انك حميد مجيد)
وقد أورد مثل هذا النصّ سائر المفسرين عند هذه الآية: (إن الله وملائكته
يصلون على النبي...)وفي صيغة الجزم والتأكيد تقف عندما
رواه ابن حجر في الصواعق المحرقة، أنه (صلى الله عليه وآله) قال: (لا تصلّوا
عليّ الصلاة البتراء، فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون اللهم صلّ على
محمد وتمسكون، بل قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد)
ورغم وفرة هذه الأدلّة وكثرتها وتأكيدها على الجمع بين النبيّ وآله، إلاّ أن
الفقه السنّي لم يقطع بوجوب الصلاة على الآل، فهناك من أوجب ذكر الآل في
الصلاة عليه وهناك من لم يوجبه محتجّاً بوجوه واهية
يأنف القلم الرفيع عن ذكرها، فضلاً عن الاعتقاد بها، كقوله: إن عدم الوجوب
أولى لأن (النبي (صلى الله عليه وآله) إنّما أمرهم بهذا ـ يعني ذكر الآل مع
النبي ـ حين سألوه تعليمهم ولم يبتدئهم به)
والجواب عليه: إن النبي (صلى الله عليه وآله) قد يكتفي بسؤالهم في إيراد
الأحكام المتعلقة بموضوع المسألة، ولو لم يسألوا لكان قد بادر إلى بيان هذا
الحكم الشرعي. وهذه الحالة لها نظائر قرآنية كثيرة أوردها القرآن الكريم
بعنوان يسألونك، كما في: (يسألونك عن المحيض)
(يسألونك عن الشهر الحرام)، (يسألونك عن الخمر
والميسر)، وغير ذلك، وعلى هذا الادعاء يلزم أن لا يكون
لهذه المسائل أحكام شرعية، لو لم يكن يظهر سؤال من الناس عنها، فهل هذا
الاستنتاج صحيح؟!!