موضوع: الباحث عن الحقيقة الثلاثاء سبتمبر 01, 2009 6:12 am
الباحث عن الحقيقة
قال سلمان: كنتُ فتىً فارسيًا من أهل اصبهان ، من قرية يقال لها (( جيًّان )) وكان أبي دُهقان القرية ، وأغنى أهلها ِغنىً وأعلاهـم منزلة . وكنت أحب خلق الله إليه منذ ولدت ، ثم ما زال حُبه لي يشتد ويزاد على الأيام حتى حبستي في البيت خشية علىًّ كما تحبس الفتيات وقد اجتهدت في المجوسية ، حتى غدوت قيم النار التي كُنًّا نعبدها وأنيط بي أمرُ إضرامها حتى لا تخبو ساعة ً في ليلٍ أو نهـار ٍ وكان لأبي ضيعةٌ عظيمةٌ تدر علينا غلة ً ، وكان أبي يقوم عليها ، ويجني غلًّتها وفي ذات مرة شغله عن الذهاب إلى القرية شاغلٌ فقال : يا بُنيًّ إني قد شُغلتُ عن الضيعة بما ترى ، فاذهب إليها وتولًّ اليوم عني شأنها ، فخرت أقصد ضيعتنا . وفيما أنا في بعض الطريق مَررتُ بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون فلفت ذالك انتباهي * * * لم اكن أعرف شيئا من امر النصارى أو أمر غيرهم من اصحاب الأديان لطول ما حجبني أبي عن الناس في بيتنا ، فلمت سمعت أصواتهم دخلت عليهم لأنظر ما يصنعون فلما تأملتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في دينهم وقلتُ : والله هذا خير من الذي نحن عليه ، فو الله ما تركتم حتى غربت الشمس ، ولم أذهب إلى ضيعة أبي
ثم إني سألتعم : اين أصل هذا الدين قالوا : في بلاد الشًّام ولما أقبل الليل عُدتُ إلى بيتنا فلتًّاني أبي يسألني عمًّا صنعتُ ، فقلتُ : يا أبتِ إني مررت بأناس يصلون في كنسية لهم فأعجبني ما رأيتُ من دينهم ، وما زلتُ عندهم حتى غربت الشمس ، فذعر أبي مما صنعت وقال : أىْ بنيًّ ليس في ذالك الدي خير .. دينك ودين آبائك خيرٌ منه . قلت: كلا - والله - إن دينهم لخيرٌ من ديننا ز فخاف أبي مما أقول وخشى أن أرتدًّ عن ديني ، وحبسني بالبيت ، ووضع قيدًا في رجلي * * * * ولما اتيحن لي الفرصة بعثت إلى النصارى أقول لهم : إذا قدم عليكم ركب يريد الذهاب إلى بلاد الشام فأعلموني . فما هو إلا قليل حتى قدم عليهم ركب متجه إلى الشام ، فأخبروني به فاحتلت على فثيدي حتى حللته ، وخرجت معهم متخفيًا حتى بلغنا بلاد الشام قلملا نزلنا فيها ، قلت : من أفضل رجل ٍ من اهل هذا الدين ؟ قالوا : الأسقف راعي الكنيسة ، فجئته فقلت : إني قد رغبت في النصرانيّة ، وأحببت أن الزمك وأحدمك وأتعلم منك وأصلي معك فقال ادخل فدخلت عنده وجعلت أخدمه ثم ما لبثت أن عرفت أن الرجل رجل سوءٍ ، فقد كان يأمر أتباعه بالصدقة ويرغبهم بثوابها ، فإذا أعطوه منها شيئًا لينفقه في سبيل الله ، اكتنوه لنفسه ولم يعط الفقرء والمساكين منه شيئًا ، حتى جمع سبع قلالٍ من الذهب فأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته منه ، ثم ما لبث أن مات فاجتمعت التصار لدفنه ، فقلت لهم : إن صاحبكم كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها ، فإذا جئتموه بها اكتنوها لنفسه ، ولم يعظ المساكين منها شيئًا قالوا : من أين عرفت ذالك؟! قلت : أنا أدلكم على كنزه . قالوا : نعم دلنا عليه ، فأريتهم موضعه فاستخرجوا منه سبع قلالٍ مملوءةً ذهبًا وفضة ً ، فلما رأوها قالوا : والله لا ندفنه ، ثم صلبوه ورجموه بالحجارة . ثم إنه لم بمض غير قليل حتى نصبوا رجلا آخر مكانه ، فلزمته ، فما رأيت رجلاَ أزهد منه في الدنيا ، ولا ارغب منه في الآخرة ، ولا أدأب منه على العبادة ليلا ًونهارًا ، فأحببته حبًا جمًّا ، وأقمت معه ومنا ، فما حضرته الوفاة قلت له : يا فلانُ ‘لى من توصي بي ومع من تنصحني أن أكون من بعدك ؟ فقال : أيْ بُنيّ ، لا أعلم أحدًا على ما كنت عليه إلا رجلا ًبالموصل هو فلانٌ لم يُحرف ولم يُبدل فالحقْ به فلما مات صاحبي لحقت بالرجل في الموصل ، فما قدمت عليه قصصت عليه خبري وقلت له : إن فرنًا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك مستمسك بما كان عليه من الحق . فقال : اقم عندي فأقمت عنده فوجدته على خير حال ثم إنًّه لم يلبثْ أنْمات ، فلما حضرته الوفاة قلتُ له : يا فلانُ لقد جائك من أمر الله ما ترى وأنت تعلم من أمري ما تعلم ، فإالى من توصي بي ؟ ومن تأمرني باللحاق به ؟ فقال : أىْ بني ّ ، والله ما أعلم أنًّ رجلاً على مثل ما كنًّا عليه إلا رجلاً بِنصِّيبينَ وهو فلانٌ فالحقْ به فلما رغب الرجل في لحده لحقت بصاحب نصيبين وأخبرته خبري وما أمرني به صاحبي ، فقال لي : اقم عندنا . فأقمت عنده فوجدته على ما كان عليه صاحباه من الخير فوالله ما لبث أن نزل به من الموت ، فلما حضرته الوفاة قلت له : لقد عرفت من أمري ما عرفت فإالى من توصي بي ؟ فقال : أى بني ّ والله إني ما علم أحدًا بقى على أمرنا إلا رجلاً ِبعًمُّورية هو فلانٌ ، فالحق به ، فلحقت به وأخبرته هبري ، فقال : أقم عندي فأقمت عند رجل كان - والله - على هدي أصحابه ، وقد اكتسبت وأنا عنده بقراتٍ وعنيمة ً ثم ما لبثَ أن نزل به ما نزل بأصاحبه من أمر الله ـ فلمًّا حضرته الوفاة قلت له : إنك تعلم من أمري ما تعلم فإلى من توصي بي ؟ وما تأمرني أن أفعل ؟ فقال : يا بنيّ - والله- ما أعلم أن هناك أحدًا من الناس بقى على ما ظهر الأرض مستمسكًا بما كنا عليه .. ولكنًّه قد أظل زمان يخرج فيه بأرض العرب نبيٌّ يبعثُ بدين إبراهيم ثم يهاجر من أرضه إلى أرض ذات نخيلٍ بين حرتين ، وله علامات لا تخفى ، فهو يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، وبين كتفيه خاتم النبوة ، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل ثم وافاه الأجل فمكثت بعده بعمُّوريًّة زمنًا إلى أن مرًّ بها نفر من تجار العرب من قبيلة " كلبٍ " فقلتُ لهم : إن حملتموني معكم إلى أرض العرب أعطيتكم بقراتي هذه وغنيمتي ، فقالوا : نعم نحملك ، فأعطيتهم إياها وحملوني معهم حتى غذا بلغنا وادي القرى غدروا بي وباعوني لرجلٍ من اليهود فالتحقت بخدمته ، ثم ما لبث أن زاره ابن عم له من بني قريظة فاشتراني منه ، ونقلني معه إلى يثرب فرأيت النخل اذلي ذكره لي صاحبي بعمّورية ، وعرفت المدينة بالوصف الذي نعتها به ، فأقمت بها معه . وكان النبيّ حينئذ يدعو قومه في مكة ، لكنني لم أمع له بذكر لانشغالي بما يوجبه على الرق * * * * ثم ما لبث أن هاجر الرسول إلى يثرب ، فوالله إني لفى رأس نخلةٍ لسيدي أعمل فيها بعض العمل ، وسيدي جالس تحتها إذ أقبل عليه ابن عم له وقال قاتل الله بني " قًيْلَة " أى الأوس والخزرج ، والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء ، على رجل قدم عليهم اليوم من مكة يزعُمُ أنّه نبيٌّ قلما إن سمعت مقالته حتى مسّني ما يشبه الحمى واضطربتُ اضطرابًا شديدًا حتى خشيتُ أن اسقط على سيدّي ، وبادرتُ إلى النزول عن النخلةِ وجعلت أقول للرجل : ماذا تقول ؟؟ أعد علىًّ الخبر .. فغضب سيدّي ولكمني لكمة ً شديدة ً وقالي لي ما لك ولهذا ؟ غُدْ إلى ما كنت فيه من عملك ولكا كان المساء أخذت شيئًا من تمر كنتُ جمعته ، وتوجهتُ به إلى حيثُ ينزلُ الرسولُ ، فدخلت عليه ، وقلت : إنه قد بلغني أنك رجل صالخ ، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة ، وهذا شيْ كان عندي للصّدقة فرأيتكم أحقًّ بع من غيركم .. ثم قربته إليه ، فقال لأصحابه : ( كلو .. ) وأمسك يدهُ فلم يأكل فقلت في نفسي : هذه واحدة ثم انصرفت وأخذت أجمع بعض التمر ، فلما تحول الرسول من قباء المدينة جئته فقلت له : إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هديةٌ أكرمتك بها . فأكل منها وأمر أصحابه فأكلوا معه فقلت في نفسي : هذه الثانية ثم جئت رسول الله وهو ببقيع الغرقد حيث كان يواري أحد اصحابه فرأيته جالسًا وعليه شملتان ، فسلمت عليه ، ثم استدرت أمظر إلى ظهره لعلي أرى الخاتم الذي وصفه لي صاحبي في عمّروريّه فلما رآني النبيُّ أنظر إلى ظهره عرف غرضي فألقى رداءه عن ظهره فنظرت فرأيت الخاتم ، فعرفتع فانكببتُ عليه أقبله وأبكي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما خبرك ؟! ) فقصصت عليه قصتي ، فأعجب بها ، وسره أن يسمعها أصحابه مني فأسمعتهم إيّاها ، فعجبوا منها اشد العجب ، وسُرُّوا بها أعظم السرور *** المرجع كتاب صور من حياة الصحابة للدكتور رأفت الباشا
فهل بحثت عن الحق وفتحت صفحة جديدة في بداية رمضان؟!