[right]مقدمة
هو أبو ذَرّ، ويقال أبو الذَرّ جندب بن جنادة الغفاري وقد اختلف في اسمه فقيل: جندب بن عبد الله وقيل: جندب بن السكن والمشهور جندب بن جنادة، وأم أبي ذَرّ هي رملة بنت الوقيعة الغفارية، وقد أسلمت رضي الله عنها.
كان رضي الله عنه آدم طويلا أبيض الرأس واللحية، أسمر اللون نحيفا، قال أبو قلابة عن رجل من بني عامر: دخلت مسجد منى فإذا شيخ معروق آدم - أي أسمر اللون - عليه حلة قطرى فعرفت أنه أبو ذَرّ بالنعت...
حاله في الجاهلية:
ولد أبو ذَرّ ونشأ في قبيلة غفار بين مكة والمدينة، وقد اشتهرت هذه القبيلة بالسطو، وقطع الطريق على المسافرين والتجار وأخذ أموالهم بالقوة، وكان أبو ذَرّ رجلا يصيب الطريق، وكان شجاعا يتفرد وحده يقطع الطريق، ويغير على الناس في عماية الصبح على ظهر فرسه أو على قدميه كأنه السبع فيطرق الحي ويأخذ ما يأخذ..
ومع هذا كان أبو ذَرّ ممن تأله في الجاهلية والتَّأَلُّهُ التَّنَسُّك والتَّعَبُّد والتأْليهُ التَّعْبيد، وكان يقول لا إله إلا الله ولا يعبد الأصنام، قال أبو ذَرّّ: أخذ أبو بكر بيدي فقال يا أبا ذَرّ فقلت: لبيك يا أبا بكر فقال هل كنت تأله في جاهليتك قلت: نعم لقد رأيتني أقوم عند الشمس - أي عند شروقها - فلا أزال مصليا - أي لله - حتى يؤذيني حرّها فأخرّ كأني خفاء فقال لي: فأين كنت توجه قلت لا أدري إلا حيث وجهني الله، حتى أدخل الله علي الإسلام...
النور يسري إلى قلب أبي ذَرّ وقبيلته
عن ابن عباس قال: قال أبو ذَرّ: كنت رجلا من غفار فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أنه نبي فقلت لأخي انطلق إلى هذا الرجل كلمه وائتني بخبره فانطلق فلقيه ثم رجع فقلت ما عندك فقال والله لقد رأيت رجلا يأمر بالخير وينهى عن الشر فقلت له لم تشفني من الخبر فأخذت جرابا وعصا ثم أقبلت إلى مكة فجعلت لا أعرفه وأكره أن أسأل عنه وأشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد قال فمر بي علي فقال كأن الرجل غريب قال قلت نعم قال فانطلق إلى المنزل قال فانطلقت معه لا يسألني عن شيء ولا أخبره فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه وليس أحد يخبرني عنه بشيء قال فمر بي علي فقال أما نال للرجل يعرف منزله بعد قال قلت لا قال انطلق معي قال فقال ما أمرك وما أقدمك هذه البلدة قال قلت له إن كتمت علي أخبرتك قال فإني أفعل قال قلت له بلغنا أنه قد خرج ها هنا رجل يزعم أنه نبي فأرسلت أخي ليكلمه فرجع ولم يشفني من الخبر فأردت أن ألقاه فقال له أما إنك قد رشدت هذا وجهي إليه فاتبعني ادخل حيث أدخل فإني إن رأيت أحدا أخافه عليك قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي وامض أنت فمضى ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له اعرض علي الإسلام فعرضه فأسلمت مكاني فقال لي يا أبا ذَرّ اكتم هذا الأمر وارجع إلى بلدك فإذا بلغك ظهورنا فأقبل فقلت والذي بعثك بالحق لأصرخن بها بين أظهرهم فجاء إلى المسجد وقريش فيه فقال يا معشر قريش إني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فقالوا قوموا إلى هذا الصابئ فقاموا فضُربت لأموت فأدركني العباس فأكب علي ثم أقبل عليهم فقال ويلكم تقتلون رجلا من غفار ومتجركم وممركم على غفار فأقلعوا عني فلما أن أصبحت الغد رجعت فقلت مثل ما قلت بالأمس فقالوا قوموا إلى هذا الصابئ فصنع بي مثل ما صنع بالأمس وأدركني العباس فأكبّ علي وقال مثل مقالته بالأمس قال: فكان هذا أول إسلام أبي ذَرّ رحمه الله...
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يتبسم قال لأبي ذَرّ: "يا أبا ذَرّ حدثني بيدء إسلامك" قال: كان لنا صنم يقال له: "نهم" فأتيته فصببت له لبنا ووليت فحانت مني التفاتة فإذا كلب يشرب ذلك اللبن فلما فرغ رفع رجله فبال على الصنم فأنشأت أقول:
ألا يا نهم إني قد بدا لـي مدى شرف يبعد منك قربا
رأيت الكلب سامك خط خسف فلم يمنع قفاك اليوم كلبا
فسمعتني أم ذَرّ فقالت:
لقد أتيت جرما وأصبت عظما
حين هجوت نهما
فخبرتها الخبر فقالت:
ألا فابنـنا ربـا كريمـا جوادا في الفضائل يا بن وهب
فما من سامه كلب حقير فلم يمنـع يداه لنـا برب
فما عبد الحجارة غير غاوٍ ركيك العقل ليس بذي لب
قال فقال صلى الله عليه وسلم: "صدقت أم ذَرّ فما عبد الحجارة غير غاو".
قال ابن عبد البر:
كان أبو ذرّ من كبار الصحابة، قديم الإسلام، يقال: أسلم بعد أربعة فكان خامسا ثم انصرف إلى بلاد قومه فأقام بها حتى قدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينة.
وكان أبو ذَرّ رضي الله عنه يقول:
كنت ربع الإسلام أسلم قبلى ثلاثة وأنا الرابع أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت له السلام عليك يا رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فرأيت الاستبشار في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أنت؟ فقلت: إني جندب رجل من بنى غفار قيل: قول أبي ذَرّ: كنت رابع الإسلام أراد من قومه لأن في ذلك الوقت أسلم الخلق من قريش وغيرهم...
وبعد أن أسلم آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين المنذر بن عمرو أحد بني ساعدة وهو المعنق ليموت...
وقال عنه ابن الأثير:
هو أول من حيّا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحية الإسلام، ولما أسلم رجع إلى بلاد قومه فأقام بها حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه بالمدينة بعدما ذهبت بدر وأحد والخندق وصحبه إلى أن مات، وكان يعبد الله تعالى قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين...