[right] عبد الله بن عمر
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب الصحابي،رضي الله عنهم، أمه زينب بنت مظعون، ولد بعد البعثة بأربعة أعوام وأباه لازال على الكفر، وما أن أصبح يافعا حتى كان الله قد هدى والده عمر بن الخطاب إلى الإسلام ، بدأت علاقته مع الإسلام منذ أن هاجر مع والده إلى المدينة وهو أبن عشرة أعوام، وبعد الهجرة أخذ ينهل من تعاليم الإسلام عن الرسول محمد بن عبد الله مباشرة، حيث كان يتبعه كظله..
يكنى بأبي عبد الرحمن، لم يشهد بدرًا وأحد لصغر سنه، شارك في غزوة الخندق عندما سمح له يذلك وهو أبن خمسة عشر عاما من العمر، شارك في بيعة الرضوان.
كان فقيها كريما حسن المعشر طيب القلب لا يأكل إلا وعلى مائدته يتيم يشاركه الطعام.
مات بمكة سنة أربع وسبعين وقيل سنة ثلاث وسبعين وهو ابن أربع وثمانين سنة، بعد أن أصابه رجل بسهم مسموم كان الحجاج بن يوسف الثقفي قد أرسله له ليقتله.
محاكاتـه الرسول صلى الله عليه وسلم:
كان عبد الله بن عمر ( أبو عبد الرحمن ) حريصا كل الحرص على أن يفعل ما كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يفعله، فيصلي في ذات المكان، ويدعو قائما كالرسول الكريم، بل يذكر أدق التفاصيل ففي مكة دارت ناقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- دورتين قبل أن ينزل الرسول من على ظهرها ويصلي ركعتين، وقد تكون الناقة فعلت ذلك بدون سبب لكن عبد الله لا يكاد يبلغ نفس المكان في مكة حتى يدور بناقته ثم ينيخها ثم يصلي لله ركعتين تماما كما رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يفعل، وتقول في ذلك أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها -:( ما كان أحد يتبع آثار النبي -صلى الله عليه وسلم- في منازله كما كان يتبعه ابن عمر )...
حتى أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نزل تحت شجرة، فكان ابن عمر يتعاهد تلك الشجرة فيصبُّ في أصلها الماء لكيلا تيبس.
الجهاد:
أول غزوات عبد الله بن عمر كانت غزوة الخندق، فقد اسْتُصْغِرَ يوم أحد، ثم شهد ما بعدها من المشاهد، وخرج إلى العراق وشهد القادسية ووقائع الفرس، وورَدَ المدائن، وشهد اليرموك، وغزا إفريقية مرتين..
يقول عبد الله:( عُرضتُ على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر وأنا ابن ثلاث عشرة فردّني، ثم عرضتُ عليه يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فردّني ثم عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمسَ عشرة فأجازني..
وكان ابن عمر رجلاً آدم جسيماً ضخم، يقول ابن عمر:( إنّما جاءتنا الأدْمة من قبل أخوالي، والخال أنزعُ شيء، وجاءني البُضع من أخوالي، فهاتان الخصلتان لم تكونا في أبي رحمه الله، كان أبي أبيض، لا يتزوّج النساء شهوةً إلا لطلب الولد )...
قيام الليل:
يحدثنا ابن عمر -رضي الله عنهما-:( رأيت على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كأن بيدي قطعة إستبرق، وكأنني لا أريد مكانا من الجنة إلا طارت بي إليه، ورأيت كأن اثنين أتياني وأرادا أن يذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، فإذا لها قرنان كقرني البئر، فرأيت فيها ناساً قد عرفتهم، فجعلت أقول:( أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار )...فلقينا ملك فقال:( لا تُرَع )...فخليا عني، فقصت حفصة أختي على النبي -صلى الله عليه سلم- رؤياي فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:( نِعْمَ الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل فيكثر )...ومنذ ذلك اليوم إلى أن لقي ربه لم يدع قيام الليل في حلِّه أو ترحاله...
القرآن:
كان عبدالله مثل أبيه -رضي الله عنهما- تهطل دموعه حين يسمع آيات النذير في القرآن، فقد جلس يوما بين إخوانه فقر:(...
ويل للمُطَفِّفين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وَزَنوهم يُخسرون، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين )...
ثم مضى يردد:( يوم يقوم الناس لرب العالمين )...ودموعه تسيل كالمطر، حتى وقع من كثرة وجده وبكائه...
قال ابن عمر:( مكثتُ على سورة البقرة ثماني سنين أتعلّمها )...وقال:( لقد عشنا بُرهةً من دهرنا وأحدنا يرى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد -صلى الله عليه وسلم- فتعلّم حلالها وحرامه، وأمرها وزاجره، وما ينبغي أن نقف عنده منها كما تعلّمون أنتم القرآن، ثم رأيتُ اليوم رجالاً لا يرى أحدُهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته، وما يدري ما أمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه، فينثرُ نثرَ الدَّقَل )...
العلم:
كتب رجل إلى ابن عمر فقال:( اكتبْ إليّ بالعلم كلّه )...فكتب إليه ابن عمر:( إنّ العلم كثيرٌ، ولكن إن استطعتَ أن تلقى الله خفيفَ الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كافاً لسانك عن أعراضهم، لازماً لأمر الجماعة فافعل، والسلام )...
القضاء:
دعاه يوما الخليفـة عثمـان -رضي اللـه عنهما- وطلب منه أن يشغل منصـب القضـاء، فاعتذر وألح عليه عثمـان فثابر على اعتذاره، وسأله عثمان:( أتعصيني؟)...فأجاب ابن عمر:( كلا ولكن بلغني أن القضاة ثلاثة، قاض يقضي بجهل فهو في النار، وقاض يقضي بهوى فهو في النار، وقاض يجتهد ويصيب فهو كفاف لا وزر ولا أجر، وإني لسائلك بالله أن تعفيني )...وأعفاه عثمان بعد أن أخذ عليه عهدا ألا يخبر أحد، لأنه خشي إذا عرف الأتقياء الصالحون أن يتبعوه وينهجوا نهجه...
وقد يبدو هذا الموقف لعبد الله بن عمر سمة من سمات السلبية.
بيد أنه ليس كذلك، فعبد الله بن عمر لم يمتنع عن القضاء وليس هناك من يصلح له سواه.. بل هناك كثيرون من أصحاب رسول الله الورعين الصالحين، وكان بعضهم يشتغل بالقضاء والفتية بالفعل..
ولم يكن في تخلي ابن عمر عنه تعطيل لوظيفة القضاء، ولا القاء بها بين أيدي الذين لا يصلحون لها.. ومن ثمّ قد آثر البقاء مع نفسه، ينمّيها ويزكيها بالمزيد من الطاعة، والمزيد من العبادة..
حذره:
كان -رضي الله عنه- شديد الحذر في روايته عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقد قال معاصروه:( لم يكن من أصحاب رسول الله أحد أشد حذرا من ألا يزيد في حديث رسول الله أو ينقص منه من عبد الله بن عمر )...كما كان شديد الحذر والحرص في الفُتي، فقد جاءه يوما سائل يستفتيه في سؤال فأجابه قائل:( لا علم لي بما تسأل )...وذهب الرجل إلى سبيله، ولا يكاد يبتعد بضع خطوات عن ابن عمر حتى يفرك ابن عمر كفيه فرحا ويقول لنفسه:( سئل ابن عمر عما لا يعلم، فقال لا يعلم )...
وسأل رجلٌ ابن عمر عن مسألة فطأطأ ابن عمر رأسه، ولم يُجبه حتى ظنّ الناس أنّه لم يسمع مسألته، فقال له:( يرحمك الله ما سمعت مسألتي؟)...قال:( بلى، ولكنكم كأنّكم ترون أنّ الله ليس بسائلنا عما تسألونا عنه، اتركنا يرحمك الله حتى نتفهّم في مسألتك، فإن كان لها جوابٌ عندن، وإلا أعلمناك أنه لا علم لنا به )...
جوده:
كان ابن عمر -رضي الله عنه- من ذوي الدخول الرغيدة الحسنة، إذ كان تاجراً أميناً ناجح، وكان راتبه من بيت مال المسلمين وفير، ولكنه لم يدخر هذا العطاء لنفسه قط، إنما كان يرسله على الفقراء والمساكين والسائلين، فقد رآه ( أيوب بن وائل الراسبي ) وقد جاءه أربعة آلاف درهم وقطيفة، وفي اليوم التالي رآه في السوق يشتري لراحلته علفاً دين، فذهب أيوب بن وائل إلى أهل بيت عبد الله وسألهم، فأخبروه:( إنه لم يبت بالأمس حتى فرقها جميع، ثم أخذ القطيفة وألقاها على ظهره و خرج، ثم عاد وليست معه، فسألناه عنها فقال إنه وهبها لفقير )...
فخرج ابن وائل يضرب كفا بكف، حتى أتـى السوق وصاح بالناس:( يا معشر التجار، ما تصنعون بالدني، وهذا ابن عمر تأتيه آلاف الدراهم فيوزعه، ثم يصبح فيستـدين علفاً لراحلته!!)...كما كان عبـد الله بن عمـر يلوم أبناءه حين يولمـون للأغنياء ولا يأتون معهم بالفقـراء ويقول لهم:( تَدْعون الشِّباع وتَدَعون الجياع )...
زهده:
أهداه أحد إخوانه القادمين من خُراسان حُلة ناعمة أنيقة وقال له:( لقد جئتك بهذا الثوب من خراسان، وإنه لتقر عيناي إذ أراك تنزع عنك ثيابك الخشنة هذه، وترتدي هذا الثوب الجميل )...قال له ابن عمر:( أرِنيه إذن )...ثم لمسه وقال:( أحرير هذ؟)...قال صاحبه:( ل، إنه قطن )...وتملاه عبد الله قليل، ثم دفعه بيمينه وهو يقول:( لا إني أخاف على نفسي، أخاف أن يجعلني مختالا فخور، والله لا يحب كل مختال فخور )...
وأهداه يوما صديق وعا مملوء، وسأله ابن عمر:( ما هذ؟)...قال:( هذا دواء عظيم جئتك به من العراق )...قال ابن عمر:( وماذا يُطَبِّب هذا الدواء؟)...قال:( يهضم الطعام )...فابتسم ابن عمر وقال لصاحبه:( يهضم الطعام؟...إني لم أشبع من طعام قط منذ أربعين عاما )...
لقد كان عبد الله -رضي الله عنه- خائفا من أن يقال له يوم القيامة:( أَذْهَبتم طيّباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها )...كما كان يقول عن نفسه:( ما وضعت لَبِنَة على لَبِنَة ولا غرست نخلة منذ توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)...ويقول ميمون بن مهران:( دخلت على ابن عمر، فقوّمت كل شيء في بيته من فراش ولحاف وبساط، ومن كل شيء فيه، فما وجدته يساوي مائة درهم )...
خوفه: